الأدب و الأدباءالثقافة

قصة “رسالة من داخل السجن “

احجز مساحتك الاعلانية

تأليف : وحيد القرشي
.فجأة دخلت علينا ,أختي الكبري ,وهي تبكي وتحمل أبنها الصغير بين ذراعيها ,وكان يصرخ بصوت مرتفع ,وكنا نجلس لنأخذ وجبة الفطار , أنا وأمي وأخواتي ,وأمامنا طبلية ,عليها طبق من الفول وأخر من الطعمية ,وحزمة من البصل ,وعيش ,وطبق من الجبن .
– مالك أيه الأحصل يا هالة ,بتبكي ليه وجاية بدري .
– الشرطة جأت البيت بالليل ,حوالي الساعة الثانية فجرا ,وقاموا بأخذ حسن زوجي .
– ما عرفتيش ,هما ليه خدوه
– لا ,لما سألهم حسن ,قالوا ,هتعرف في القسم.
– أهدي وأقعدي أفطري ,وأنا هتصرف
فقمت مسرعا وأتجهت الي حجرتي ,ولبست ملابسي وذهبت الي القسم لمعرفة سبب أخذ زوج أختي في ساعة متأخرة من الليل ,وعندما وصلت لباب القسم ,أوقفني العسكري المنوط بالخدمة.
– أي خدمة ,عاوز حاجة
– أنا داخل القسم ,لمعرفة سبب أخذ زوج أختي للقسم ,في ساعة متأخرة من الليل
– فعلا كان فيه حملة بالليل ,وتم القبض علي كل الهاربين من تنفيذ أحكام
– وهما فين دلوقتي
– تم ترحيلهم ألي المحكمة لعمل العرائض .
وركبت تاكسي لتوصيلي الي المحكمة ,وعندما وصلت ودخلت المكان الخاص بحجز المتهمين ومن عليهم تنفيذ أحكام ,وجد أمام الباب ,ضابط يجلس علي كرسي ويمدد رجليه ,وبجانبه أثنين من العساكر ,ومجموعة من الأهالي ,وعندما وصلت أليهم ,وجد نقاش حاد بين الأهالي والضابط ,فقد منعهم من الدخول لرؤية أقاربهم المحتجزين ,وأدخال أي شئ لهم ,أكل او فلوس او سجاير ,وما شابه ذلك ,وعندما رأيت ذلك المشهد ,فضلت الأتصال بالمحامي الموكل مني في الأمور الخاصة بي ,لأستشارته ومعرفة سبب حجز حسن زوج أختي .
– ألو ,السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .أخبارك يا أستاذ وليد
– وعليكم السلام ,الحمد لله بخير ,أيه أخبارك .
-الحمدلله ,بس عاوز حضرتك في موضوع مهم ,بعض أفراد الشرطة ,قاموا بأخذ زوج أختي في الساعة الثانية فجرا ,وقد ذهبت للقسم والمحكمة لمعرفة السبب ,ولم أتوصل لشئ
– حاضر ,حالا هكون عندك ,أنت فين
– أنا موجود في المحكمة
وعندما وصل المحامي ,قد علم بأن زوج أختي ,عليه قضية سرقة كهرباء ,وحكم فيها بالسجن شهر ,وغرامة تدفع في شركة الكهرباء للتصالح .
– زوج أختك عليه حكم في قضية سرقة كهرباء ,ولو تم دفع الغرامة والتصالح مع الشركة ,سوف يتم وقف تنفيذ الحكم ,ويخلي سبيله من القسم ,بعد عرض أوراق التصالح علي السيد مدير النيابة .
– حاضر أن شاء الله خير ,وشكرا لحضرتك وهتصل بيك بالليل .
ثم رجعت ألي البيت ,ووجد أختي وأمي يجلسون في مدخل البيت ,منتظرين معرفة ما حدث ,وقد علمت بأن حسن زوج أختي ,قد أجر بيت له لشخص مقيم بالقرية ,وقام هذا الشخص بسرقة الكهرباء ,وتم عمل محضر بذلك بأسم صاحب البيت ,وقد أخبرت أختي بكل ما حدث ,وفي المساء ذهبت لهذا الرجل لمعرفة لماذا فعل ذلك ولماذا لم يخبرنا بذلك المحضر ,حتي نتمكن من أتخاذ اللأزم ’,وعندما واجهته ,أنكر فعل ذلك ,فقمت بطرده من البيت ,لانه عديم التربية والاخلاق ,والتي أنعدمت في مجتمعاتنا الهزيلة ,والتي لا تعرف قيمة الأنسانية والأحترام ,وفي الصباح ,ذهبت الي شركة الكهرباء ,ودفعت الغرامة .ثم أتصلت بالمحامي ,وتقابلنا في المحكمة ,ومن جانبه قام بالاستئذان والدخول للسيد مدير النيابة ,وعرض عليه التصالح مع الشركة ,وقد صرح مدير النيابة بأخلاء سبيل زوج أختي ,وان يخرج من سرايا القسم ,ثم أخذنا الاوراق ,وذهبنا للقسم ,ولكن عدم وجود المأمور ,أحال خروجه في حينه ,وتم تأجيل خروجه للمساء ,ليتم عرضه علي مأمور القسم ويؤشر له بالأنصراف ,وفي الساعة السابعة مساءا ,ذهبت للقسم ,ودخلت لرئيس المباحث ,وقال ساعة وسوف يأتي المأمور ,وبعد ساعتين ,تم أخلاء سبيله ,وأفرج عنه ,ليخرج وقد حلق شعره كباقي المساجين , وقد ظهر عليه الحزن الشديد ,والشعور بأنه غريب عن هذا المكان ,او انه ولد للحياة من جديد ,فأخذني التفكير ,وقلت في نفسي ,هذا حال شخص سجن لايام معدودة ,ما بال حال من يسجن ويحرم من الحياة بالسنين ,ثم رجعنا للبيت ,وجلست معه بعض الوقت ,ولم أتحدث معه في شئ ,وأستئذنت منه ,حتي يستريح .وفي اليوم التالي ,ذهبت للجلوس معه والاطمئنان عليه .
– كفارة ,تعيش وتأخد غيرها
-عشت يومين من أصعب أيام حياتي ,ولكن الحمد لله علي كل حال ,وانا السبب ,وأهمالي علمني الأدب
-والأ يهمك كله يتصلح أن شاء الله
– أن شاء الله
– عملت أيه داخل السجن ,أحكي ليه كل الأ حصل معاك .
– هحكي أيه والا ايه ,أشكال وألوان وحكايات ,بعد ما دخلت السجن بعشر دقائق ,وقف مسجون معانا ,وقال بصوته العالي ,عمر الجمل ,أهلا وسهلا بيكم وسط اخواتكم ,فسمعت صوت أثنين بجواري ,يتحدثون عن ذلك الشخص ,يقول أحدهما للأخر ,مين دة ,هيعمل علينا دكر من أولها ,فيرد الأخر ,أسكت وأحنا مالنا, أحسن نعمل مصيبة هنا ,ونظرت داخل أركان الحجرة ,وجد بوساء وفقراء وبلطجية ,وبطاطين مرمية ,وحالة من الفوضي ,وحمام صغير داخل الحجرة ,يستعمله جميع المساجين ,والضحك والخوف في وقت واحد ,من وقوع شجار ,اثناء طلب أكثر من مسجون بالحاح دخول الحمام لقضاء حاجته ,وقام أحد المساجين بتنظيف الحمام ,بعد أن خرجت منه رائحة ,كادت تخنقنا جميعا ,بسبب ضيق الحجرة وأعدادنا الكثيرة والمتلاحمة بجوار بعض ,وفي الليل بعد أن نام المساجين ,بكيت علي حالي وأولادي ,وكنت لا أعلم سبب تواجدي في هذا المكان ,الداخل فيه مفقود وفاقد للحياة ,والخارج منه مولود ,فسمع صوت بكائي عمر الجمل ,وأقترب مني .
– مالك يا صحبي ,بتبكي ليه
– أفتكرت ولادي وبكيت علي حالي
– والأ يهمك في الصبح بأذن الله تكلم ولادك وتطمن عليهم ,معاهم محمول
– أزاي وهما منعين دخول أي جهاز محمول والاتصال داخل السجن
– أزاي ديها ,تخصني أنا
وفي الصباح ,أقترب مني وقال ,أدخل الحمام ,وكلم بيتك وأطمن علي ولادك وأسرتك ,وأعطاني محمول ,وقمت بعمل أتصال ولم يرد أحد,فشكرته علي ذلك ,وقلت له ممكن أعرف جبت المحمول منين ,فرد عليه ,أقولك بعدين ,والا اقولك هتعرف علي مر السنين والدنيا ياما تتعلم وتشوف منها العجب العجاب ,فقلت ربنا يبعدنا عن السجن ويخرجني لبيتي واولادي بالسلامة ومش عاوز أتعلم حاجة ,وبعد يومين وعندما علمت بأنني سوف أخرج في اليوم التالي ,أقترب مني أحد المساجين ,وأعطأني رسالة ,لتوصيلها لأخوه .
– وما تعرفش أيه داخل الرسالة
– لا والله ,لاني ما حاولتش أفتحها
وبعد أن حكي لي حسن زوج أختي ما حدث له داخل السجن ,أستئذنت منه لقضاء بعض الأعمال,وفي اليوم التالي وأثناء رجوعي من العمل ,قابلته علي موقف سيارات القرية ,وقد أخبرني بأنه ذهب لتوصيل الرسالة ,ولكن أخو المسجون رفض أستلامها ,وقال ,احنا تبرأنا منه ,وأعتبرنه مات ,فذهب للقسم لأخباره بذلك ,فلم يجده ,وعلم أنه رحل ألي السجن العمومي ,وانه سوف يذهب في الصباح لزيارته .
– أنت كتر خيرك ,عملت الا طلبه منك وزيادة ,ممكن توريني الرسالة نقرأ ما بداخلها ,يمكن نساعده في حاجة
– تعالي نشرب كوب من الشاي في البيت ,ونقرء ما بداخل الرسالة
وعندما وصلنا البيت ,جلسنا داخل حجرة الجلوس ,وفتحت الرسالة ,فوجد كلمات في غاية الروعة والاحساس ,ومكتوبة بلغة سهلة وبسيطة ومؤلمة ,ومعبرة وبها الكثير من العبروالدروس ,وقد صدق المثل الذي يقول اللي مربهوش أبوه وأمه ,هتربيه الأيام ,وتعلمه الادب والاخلاق كمان ,ففي الرسالة يقول لاخوه ,أذا وصلتك الرسالة ,فاعلم أني ذاهب الي السجن المشدد ,فالحمد لله علي حكمه ,أن مكنتش هتعمل حاجة في وقف التنفيذ ,فض شغلي وأدي كل واحد حقه ,وشيل العدة ,وأنا راضي بقضاء الله وقدره ,أنا كل يوم بتعذب جوه السجن ,وحسبي الله ونعم الوكيل ’وأن كنت مش هتسألوا عليه ,قطع الرسالة ديها ,وألا كأنك قرأت حاجة ,سيبني لقضاء الله وقدره ,وخلي مراتي تروح لبيت أبوها ,ألي أن يأذن الله لي بالخروج ,انا مش زعلان منكم , علشان عارف ظروفكم ,أنا صعبان عليه نفسي ومراتي وأولادي ,والسلام ختام وسلملي علي أبويا وأمي قوي قوي ,وقد ختم رسالته ببعض الطلبات التي يحتاجها داخل السجن ,وبعد قراءة الرسالة ,طلبت من حسن زوج أختي ,شراء هذه الطلبات ,والذهاب غدأ لزيارته في السجن ,والأطمئنان عليه ,وطلبت منه ,عدم ذكر شئ مما حدث من أخوه ,وأن يقول له أن اخوه أعطأه هذه الاشياء ,وسوف يقوم بزيارته في أقرب وقت ممكن ,وأتفقنا علي ذلك ,وتركت زوج أختي ورجعت لبيتي ,ونمت لأن الساعة كانت متأخرة بالليل ,وفي اليوم التالي ,وتحديدا في وقت العصر ,دخل عليه حسن ,وشعرت من اول نظرة له أنه حزين ,وحدوث شئ ما أحزنه .
– السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
– وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته , تعالي يا حسن
– ذهبت للسجن ,كما أتفقنا ,وعندما وصلت ,سألت عن عادل صاحب الرسالة ,وطلبت من العسكري الدخول لمقابلته وأعطائه الطلبات التي قمت بشرأئها ,فرفض وقال ,النهاردة مش يوم زيارة ,وأثناء سعي لمعرفة أي شئ عنه ,قابلت أحد شباب القرية ,مجند عسكري داخل السجن ,وأخبرته بكل شئ ,وطلب مني الأنتظار خارج السجن ,وبعد نصف ساعة ,خرج وقال ,أمشي من هنا وألا أكنك تعرف هذا الشخص والا تعرف عنه حاجة
– ليه ,أيه الا حصل
– قام بخنق مسجون داخل القسم ,حتي فارقت روحه الحياة
– حصل أمتي الكلام دة
– أمبارح بالليل ,بعد أن طلب المأمور حضوره ,وأخبره بأن زوجته جأت للسجن ,وطلبت الطلاق منه ,فدخل زنزانته وهو يبكي ويصرخ ,فقام المساجين بالألتفاف حوله وموأساته ,وفي الليل ,وبعد أن نام المساجين ,جلس مع أحد المساجين ,كان مستيقظا ,ودار بينهم حديث وحكي له ما حدث من زوجته وطلبها الطلاق منه ,فما كان من الاخر الأ أن قال له ,أنت مش راجل ,ولو كنت راجل معاها من الاول ,ما كنتش عملت معاك كدة وطلبت منك الطلاق ,فقام عليه بكل غضب ,وخنقه بقوة ,حتي فارقت روحه الحياة ,وتم وضعه في سجن أنفرادي ,وبعد سماعي لحسن زوج أختي وحديثة المؤلم ,نظرت له ,وتمتلئ عيوني بالدموع ,وقلبي يتألم من بشاعة ما حدث لعادل صاحب الرسالة .
– فعلا الدنيا ملهاش أمان ,والموت علي الروس ,والانسان ممكن يضيع في لحظة ,وفي كتير زي عادل في الدنيا ,والحياة بتعلمنا دروس وعبر ,بس بتأخد منا العمر والأهل ,وربنا يتولنا برحمته .

Related Articles

Back to top button